كيف بإمكاني ان أُصبح شخص ذو حظٍ جيد؟ مع اني شخص ذو حظ عاثر جدا.
ستسمع وتقرأ إجابات كثيرة تتمحور حول العبارة “اصنع حظك بيدك، ولا حظ إلاّ للمجتهدين” أو في معناها.
وهي كما أراها من الأخطاء الشائعة وكلام التنمية البشرية المبالغ فيه، فبالرغم من أنه لكل مجتهد نصيب، والكسل لا يطعمك العسل، لكني أرى أن الحظ ذو تأثير كبير جداً، على الأقل في البدايات، وأقصد بدايات كل شيء، فكل تجربة فيزيائية (وحياتية بشكل عام) تجري ضمن شروط ابتدائية، وهذه الشروط تتحكم بشكل كبير في النتائج النهائية للتجربة، وعند تغيير أي شرط منها سيؤثر هذا التغيير في النتائج وقد يغيرها تغييرا جذريا.
قارن بين هذين الشخصين:
الشخص الأول طالب برمجة امريكي في جامعة أمريكية في بداية القرن الحادي والعشرين ويعيش في الحرم الجامعي، غير مضطر للعمل إلى جانب دراسته لتأمين مصروفه، كما أنه يتمتع بشبكة أصدقاء وصديقات، وهو مستقر عاطفياً وجنسياً واجتماعياً، ولديه موارد جاهزة تحت الطلب في حال أراد ذلك، ولا مشكلة مادية لو أصيب بمرض يحتاج عمل جراحي أو دواء مكلف، ولديه أجهزته الكهربائية التي تعمل 24/7 دون انقطاع وماء ساخن ليأخذ حمام في أي لحظة دون انتظار …الخ
الشخص الثاني عربي (اختر أي جنسية مصري سوري جزائري أردني) أنهى للتو دراسته الثانوية بمعدل عالي فوق 90 بالمئة، لن يؤهله معدله العالي للدخول إلى كلية الطب لأن المقاعد محدودة، واستطاع الحصول على مقعد في كلية الهندسة المعمارية، لكن بعد فصل واحد اضطر لترك الجامعة لأنه مضطر للعمل إلى جانب دراسته لكنه لم يستطع التوفيق بينهما، (حتى لو دخل كلية الطب سيؤول إلى نفس النتيجة)،
لن أجعل الأمر أكثر درامية، فأنتم تعرفون وضع العالم الثالث عمومًا، فهناك ناس يهدرون ربع يومهم لتحصيل ماء أو حطب الطبخ، وهناك ناس يمضون حياتهم في العمل الشاق رغم أنهم أذكياء لكنهم لا يعرفون ما هو الإنترنت[1] .
لذلك فإن شخصًا قد يكون أذكى بمراحل من الشخص الأول المذكور في مثالنا، لكن إنجازاته في الحياة لا تتعدى بناء كوخ من القصب، بينما يؤسس الأول فيسبوك.[2]
ولو نظرنا إلى ظروف مؤسس فيسبوك نفسه مقارنة ببقية أبناء مجتمعه، فهو أيضاً ذو حظ رائع، فقد أطلق موقعه في وقت مناسب جداً لهذا الغرض وهذا بمحض الصدفة وحدها وليس لحسابات أجراها.
داروين لو لم تجتمع عدة صدف أمامه لم يكن لينتج ما أنتج، فقد تصادف وجوده في وقت الحمى الاستعمارية والاستكشافات الجغرافية البريطانية، ولم يجد قائد رحلة بيغل[3] الكابتن فيتزروي مختصاً بالاحياء يقبل السفر معه في مغامرة إلى حافة الكوكب، فاصطحب معه شاب حديث التخرج هو تشارلز داروين.
يا سيدي حظك كجيناتك، فكما أنك لا تستطيع تغيير جيناتك كذلك لن تستطيع تغيير حظك .
أخيراً عزيزي انظر الى الشعوب العربية، هل بقي شيء لم تفعله؟؟ خرجت مئتا ألف (200000) مظاهرة سلمية خلال سنتي 2011 و 2012 ثم تحولت الثورة رغمًا عنها للسلاح وقدم السوريون مليون شهيد، رغم ذلك لم يحصلوا على ما حصل عليه التونسيون، نحن نغبطهم على ما حققوه، ونغبطهم أكثر لأن موقع بلادهم لم يكن على طريق الحرير ولا على طريق الغاز ولا قرب إسرائيل وليست بوابة روسيا للمياه الدافئة ولا جسر إيران للمتوسط ولا ساحة تصفية حسابات الخليج والإخوان والأكراد والأتراك ..الخ
نفس الأمر ينطبق على ليبيا، واليمن، حظهم (أو قدرهم) لم يكن كحظ التونسيين والجزائريين، فهل يمكننا لومهم على تقصير أو كسل؟
اعرف أن حظك أكثر تأثيراً عليك من عملك، لكن لابد لك من العمل والاجتهاد، فالعمل شرط لازم لكنه ليس كاف لتنجح.
أعتذر عن جرعة الإحباط الكبيرة التي صببتها هنا، لكن الحقيقة أن الحياة ليست عادلة، والحق لا ينتصر،والحظ هو القوة.
الهوامش
[1] تقرير جديد يتوقع بلوغ عدد مستخدمي الإنترنت حوالي 4.3 مليار شخص، معظمهم من الشباب
[2] ما الذي يجعل فيسبوك يبقى “إلى الأبد”؟
[3] بيغل (سفينة) – ويكيبيديا