التنافس التركي الكندي على الجينة الفينيقية
منذ شهر تقريباً بدأت دوائر الهجرة في ولايات عينتاب ومرسين التركيتين عملاً دؤوباً على التواصل مع اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، الذين لديهم مؤهلات علمية جامعية، وذلك من أجل حضِّهم على تقديم طلبات الحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، كانت الاتصالات سريعة، حتى إنها كانت في أيام عطلة أو أوقات متأخرة، مما يدل على العدد الهائل من الاتصالات التي تجريها الدائرة.
الأمر كان يتم بالشكل التالي: يرن الهاتف، يسألك المتصل هل أنت فلان؟ ما هو مستواك التعليمي؟ إن أجبت “جامعي”، سيقول مباشرة: “نحن الأمنيات، تعالَ قدم أوراقك في دائرة الهجرة من أجل الجنسية”، بعد تقديم الأوراق المطلوبة يأتيك اتصال بعد أسبوع واحد لتحديد موعد المقابلة، ويتم فيها طرح أسئلة كثيرة، وأكثر ما يلفت النظر فيها “هل أنت سُني؟”، بعدها عليك الانتظار فترة من شهر إلى أربعة أشهر، لم تمر هذه الفترة بعد لنعلم ما سيحصل في نهايتها.
في ذات الوقت بدأت مفوضية اللاجئين في تركيا، التابعة للأمم المتحدة، بالاتصال بالسوريين الذين سبق لهم أن تقدموا بطلبات الهجرة؛ لتحدد لهم مواعيد اللقاء بالسفارة الكندية.
أثناء أحد اللقاءات يقول عبداللطيف إن الموظف الذي أجرى المقابلة معه قال له: “أخبر إخوتك السوريين إن كندا ستستقبل في بداية العام القادم سبعة عشر ألف سوري، سارعوا بتقديم طلباتكم”.
إن السلطات التركية حصرت تقديم طلبات الهجرة للمفوضية بمكاتب خاصة افتتحتها لهذا الشأن ضمن مباني البلديات؛ حيث يتم رفع الطلبات إلى المفوضية من الجانب التركي حصراً، ويقول ماهر ناصحاً السوريين الذين يريدون الهجرة إلى كندا خصوصاً، وإلى أية دولة عن طريق المفوضية عموماً، أن لا يقدم بين الأوراق أية شهادة عليا؛ لأن البلديات التركية تلقي الطلب الذي يحمل صاحبه شهادة عليا في القمامة مباشرةً.
إن النظر إلى هذين الأمرين معاً يكشف بوضوح تام التنافس الحاد الذي يحصل حالياً بين تركيا وكندا اللتين تحاولان جذب أكبر عدد من اللاجئين السوريين الأكاديميين خصوصاً، إن هذا الأمر أطلق مخيلات الكثيرين للتحليل وإصدار النظريات كان آخرها “نظرية الجينات الفينيقية”؛ حيث يفترض مروجو هذه النظرية أن السوريين ينحدرون من الفينيقيين مباشرة، وأن الفينيقيين هم أذكى الشعوب التي مرت على الأرض؛ حيث إنهم اخترعوا الأبجدية، وهم أول من سيطر على حوض المتوسط.
إن هذه النظرية مضحكة، وتدل على جهلٍ كبير بأبسط مبادئ الثقافة والعلوم؛ حيث إنه من المعلوم أن لا شعب على وجه الأرض يحتفظ بنقاء جيناته، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط التي مر عليها من الحروب والكوارث والهجرات ما لم يمر على أية بقعة من الكوكب، أضف إلى ذلك أن تقديرات العلماء تقول إن 40% على الأكثر من جينات سكان بلاد الشام حالياً تعود للفينيقيين، كما أنه من الممكن أن تجد جينات الفينيقيين لدى سكان السويد مثلاً.
نحن لا ننكر ذكاء السوريين.. لكن إليكم هذه الحقائق:
في العام الماضي استقبلت كندا حوالي 300 ألف وافد، منهم 50 ألف لاجئ، منهم 25 ألف سوري، كندا تحتاج للوافدين وهذا ليس سراً، إن المواطنين الكنديين الذين تبرعوا لصندوق دعم اللاجئين يضغطون على حكومتهم لاستقبال المزيد من اللاجئين؛ لأن الرفاهية لديهم مهددة في حال نقص اليد العاملة.
أما عن تركيا، فالأمر أكثر تعقيداً، تركيا ملتزمة بالعديد من الاتفاقيات مع أوروبا بشأن اللاجئين، وتقيدها العديد من الشروط المتعلقة بمفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، هذه الأمور تجربها على درجة معينة من الحذر تجاه معاملة اللاجئين، بمعنى آخر هذا الأمر يكلف الدولة التركية مبالغ إضافية تنفقها على اللاجئين بصور مختلفة، وهذه المبالغ لا تغطيها المعونات الأوروبية، وللخروج من هذا المأزق تفضل تركيا إعطاء صفة “مواطن” بدلاً من “لاجئ”؛ كي ترفع وصاية أوروبا والأمم المتحدة عن هذا الملف أو تُحد من تأثيرها، إضافة إلى عامل مهم جداً، وهو ما تثيره المعارضة التركية ألا وهو كسب أصوات جديدة لحزب العدالة.
أما لماذا تعطي الجنسية للسوريين ولا تعطيها للأفغان مثلاً؟ هذا لنفس السبب الذي يجعل تركيا مفضلة على أوروبا لدى الكثير من السوريين.
نشرت هذه التدوينة في هافينغتون بوست عربي في 29/11/2016
تعليق واحد