كيف تنتصر لسوريا من مكانك؟
يستهجن الكثيرون الوقفات التضامنية مع حلب حول العالم وكذلك المظاهرات سواءً الحقيقية أمام السفارات أو تلك الإلكترونية، قائلين “ماذا سيستفيد السوريّون من وقوفنا في الشوارع أو تغيير صورنا الشخصية على فيسبوك؟!”
بعيداً عن العواطف أحبّ أن أقول لك إنّها تفيد، قد لا تفيد مباشرةً لكنّها ستفيد في يومٍ ما وفي موقفٍ ما، وهذا الأمر بناءً على دراساتٍ ذات مصداقيّة وليست تخمينات.
ذكر موقع “أبحاث فيسبوك” التابع لفيسبوك أنّ الفاصل بينك وبين أيّ شخص آخر هو 3.57 درجة، أي إنّ بينك وبين الملكة إليزابيت مثلاً ثلاثة أو أربعة أصدقاء، فهي ستكون حتماً صديق صديق صديق صديقك على الأكثر، وقد ذكرت الدراسة التي نُشرت في شباط 2016 طريقة برهان هذا الطرح بشكل رياضي معقّد، ولتقريب الفكرة افترض أنّ لديك ولدى كلّ صديق من أصدقائك 200 صديق فريد (أي بحذف الأصدقاء المشتركين) فإنّ عدد أصدقاء أصدقائك سيكون 200 × 200 = 40000 و إن كرّرنا الأمر أربع مرّات سنحصل على مليار وستمئة مليون وهذا عدد مستخدمي فيسبوك.
إنّ الاحتجاج سواء الواقعي أو الافتراضي سيخلق رأياً عاماً وسينتقل بعددٍ من الخطوات إلى شخصٍ مؤثّر، قد يُحدث هذا الشخص فرقاً ما، ستقول إنّ رؤساء الحكومات وأعضاء البرلمانات والسفراء و و … جميعهم يتصرّفون وفق برامج معدّة سلفاً من قبل دولهم ولا يمكن لأحد أن يأتي بتصرّف عاطفي قد يضع بلاده بأكملها في مآزق لا تُحمد عقباها، سأجيبك بمثالين، الأوّل: عندما صاحت امرأة “وا معتصماه” و تعرفون البقيّة، والثاني: عندما قطع الملك فيصل ملك السعوديّة الراحل منذ خسين سنة البترول عن الغرب وحوّل بذلك قضيّة فلسطين إلى قضيّة عالمية.
لا تستهينوا بالرأي العام يا سادة، إن العدوّ لا يهمل أيّ جانبٍ من جوانب الدعاية، يبثّ نشرات أخبار باللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والروسية …
إنّ الجماهير تتبع إمّا فناناً أو رياضيّاً أو عالم دين على الغالب، وبما أنّ الغالبية العظمى من علماء الدين لدينا منشغلون بفتاوى الوضوء والطهارة ولا يلفتون نظر الشعوب للقضايا التي تعصف بالأمّة، لم يتبقَّ لنا إلا نجوم الإعلام من فنانين ورياضيين، وقد حاول بعضٌ منهم ومن مختلف الجنسيات إيجاد فسحاتٍ يتحدّثون فيها عن مأساة سوريا عامةً وحلب خصوصاً.
إنّ سكان كوكبنا مشغولون سواءٌ باحتياجاتهم الشخصيّة وأعمالهم أو بتسليتهم، ولن يقطع أحدهم انشغاله ليستمع إلى نشرة أخبار مملة يبدي بان كيمون فيها قلقه، علينا اقتحام مشاهد حياتهم اليومية، مثلاً الصحفية الفرنسية نيكول فيروني التي استغلت فقرتها على راديو فرانس انتر وهي أربع دقائق بأقصى ما يمكنها من طاقة للحديث عن سوريا وصحفيها المحبوب هادي العبدالله كانت لا تأخذ نفساً ولا تبلع ريقاً لتوفّر الثواني كي تقرأ أكبر عددٍ ممكن من السطور وكأنها في مسابقة، وكذلك نجد اللاعب إلكار أوجار يستغل الثواني المخصصة للاحتفال بهدفٍ سجّله ليكشف عن كلماتٍ “هناك مذبحة في حلب” كتبها على قميصه الداخلي، وكم من لاعبٍ جهّز كلماتٍ ولم يحالفه الحظّ في تسجيل هدف لا نعلم.
أثبتت الأياّم الفائتة أهمّيّة اقتحام عالم الغرب -بالوسائل المتاحة- إعلاميّاً، حيث اكسَبَتْ الطفلة بانة العابد القضية السورية وحصار المدن اهتماماً عالميّاً عبر تغريداتها باللغة الإنكليزية جعلت العالم يتابع أخبار المحاصرين وخروجهم للاطمئنان عليها، لابأس اليوم يهتمون لأمر بانة وغداً سيهتمون بالباقي.
في النهاية سأذكر قصّة يرويها أهل قرى الشمال السوري للتندّر وهي: تشاجرت مجموعتان من الفتية وكان غلام قريب لإحدى المجموعتين يشاهد المشاجرة دون أن يتدخّل، في نهاية المشاجرة لامه أقاربه، فعلّل بأنه ضعيف، فردّ أحدهم وهو غاضب: “لا تستطيع القتال، لا مشكلة، ألا تستطيع أن تسبّهم؟!!”
فإنْ لم تستطِع أن تفيد أهل سوريا، دعهم يشعرون أنّك معهم ولو بكلمة.
نُشرت هذه التدوينة في مدونات الجزيرة في 23/12/2016