ما هو سر أصالة الشعب السوري دون شعوب الشام؟ لأني أرى فيهم الأصالة في لغتهم وأخلاقهم وحتى علمهم وعمارة المنازل
كلّ من عدد سكّان سوريا ومساحتها أكبر من مجموع سكان ومساحات الدول الثلاثة الأخرى في بلاد الشام.
التنوّع الكبير في سوريا يندر وجوده في بلد آخر، ويشيع لدى الناس (والعرب خصوصًا) أنّ التنوّع الطائفي والعرقي في لبنان هو الأكبر، لكن هذا غير صحيح، والسبب أنّ لبنان قُسّم سياسيًا في اتّفاق الطائف بحسب الطوائف، بينما مُسحت أو غُيّبت المظاهر الثقافية التي تتميّز بها كل طائفة ومجموعة عرقية في سوريا بسبب طبيعة النظام السياسي المسيطر على البلد منذ 1963، لذا يحسب غير السوريين أنّ سوريا كتلة متجانسة من العرب البعثيين فقط.
مقدّمة مملّة لابدّ منها، لأنّه حتّى بعض السوريين (خاصّة سكّان المدن الكبيرة) فوجئوا بعدد الأقليّات التي تتشارك معهم البلد بعد نشوب الثورة السورية، حيث استطاعت كلّ فئة التعبير عن رأيها، وكذلك اضطرت كلّ فئة للاصطفاف في أحد الجانبين (على الأقلّ في البداية عندما كان هناك جانبين فقط)
لنذهب إلى السؤال كلمة كلمة..
اللغة: بالفعل يتفوّق السوريّون على كثير من العرب في اللغة العربية، وهذا يرجع لعدّة أسباب، أهمّها النظام التعليمي الصارم الذي يعتمد اللغة العربية ويَعدّ مادّة اللغة العربية مادّة مرسّبة في الشهادة الثانوية (أي الرسوب فيها وحدها كافٍ لسقوط الطالب في السنة)، وثانيها هو اللهجة السورية بحدّ ذاتها حيث تُعد من اللهجات القريبة للفصحى، رغم أنّها ليست الأقرب ورغم أنّ أغلب العرب يعتقدون بهذا الاعتقاد عن لهجاتهم، لكنّها قريبة للفصحى بكلّ الأحوال، ولا يجد السوريّون صعوبة في الفصحى كغيرهم، خصوصًا في مخارج الحروف، وهنا أجزم أنّ مخارج الحروف الصحيحة هي الأفضل عند السوريّين، فنحن نميّز بشكلٍ جيّد بين ثنائيّات الحروف (غ-ق)، (ض-ظ)، (س-ز)، (س-ث)، (ج-چ)، (ق-گ).
وهنا لا بدّ أن أذكر بصوت جوجل الرسمي السوري وائل حبّال ، وكذلك شيخ القرّاء السوري كريّم راجح ، وعالم القراءات العشر السوري أيمن سويد ،ومؤدّية شارات برامج الأطفال السورية رشا رزق ، وغيرهم الكثيرون الذين كانت لهجتهم ولغتهم أحد العوامل المساعدة لهم ولا أنكر براعتهم وموهبتهم.
الأخلاق: أنا كسوري شهادتي مجروحة، بكلّ الأحوال أرى أنّ أخلاق السوريين جزء من أخلاق العرب عمومًا ونحن جميعًا نشترك بنفس المعايير تقريبًا، بالطبع زادت الفوارق بين العرب في السنوات الأخيرة بتأثير من الثروة وقوّة جواز جواز السفر والعلاقات والولاءات الخارجية والمواقف السياسية، لكن في الإطار العامّ مازال العرب متشابهون ويشبه بعضهم بعضًا كلّما كان البعد الجغرافي أقلّ، مثلًا وبحكم احتكاكي مع عديد الجنسيات في عملي كمدرّس للطلاب العرب في تركيا التي تؤوي عربًا من معظم الجنسيات، وجدتُ أنّ أخلاق السوريين تشبه كثيرًا أخلاق العراقيين من جهة، وكذلك هناك تشابه كبير بين السوريين والأردنيين من جهة ثانية.
العلم: لا أعرف أحدًا في العالم لا يحبّ العلم، وبكلّ الأحوال فإنّنا في سوريا نُعدّ من الشعوب الفقيرة، ولذا ف بالإضافة لحبّ العلم المتأصّل فإنّ الحصول على درجة علمية ضرورة حياتيّة، فسواء أردت العيش في سوريا أو السفر أنت بحاجة لشهادة جامعية، وذلك برغم صعوبة الدخول إلى الجامعة، حيث كان عدد الجامعات في سوريا عندما بدأتُ دراستي أربع جامعات فقط، وأظنّ هذه الصعوبة في تحصيل مقعدٍ دراسي هي أحد الأسباب في قوّة الطالب السوري، فالمناهج الدراسية تقريبًا مناهج أثرية والتجهيزات والمخابر كذلك الأمر، لكن مقدار الصبر والمكافحة التي يلقاها الطالب تجعل منه طالبًا مستعدًا لخوض أيّ معترك خارج سوريا.
العمارة: هناك سببان لتظنّ أنّ العمارة في سوريا أفضل من غيرها وهما: الأوّل الضخّ الإعلامي عبر الدراما السورية حيث أظهرت بيوت دمشق وكأنّها جميعها بذاك التصميم الجذاب ذي البركة في وسط الدار والإيوان وغرف الضيوف المحيطة به وغرف النوم في الطابق العلوي، لكن هناك عدد ضئيل جدًا من هذه البيوت حاليًا، بل إنّ هذه البيوت أصبحت اليوم مطاعم أو معارض، ولا يمكن لأحد من الطبقة المتوسّطة أن يمتلك بيتًا كهذا، فنحن نتحدّث هنا عن فيلا أثرية!
أمّا السبب الثاني فهو بالفعل لدى المدن السوريّة تفوّق في العمارة لأنّها كانت على مرّ التاريخ مراكز الحضارة والحكم لهذه المنطقة، وقد أصاب المراكز الحضارية الأخرى “القدس” و “عكا” و “طرابلس” و “بيروت” و “صيدا” ما أصابها بسبب الحروب الكثيرة بينما بقيت المدن السورية سليمة حتى دمّرها مغول العصر الحالي.
أخيرًا: إنّ هجرة وتهجير الشعب السوري خارج بلده واحتكاكه بباقي الشعوب، هي العامل الأكثر أثرًا في تعريف العالم بمدى حيوية ونشاط وطيبة هذه الشعب، ف هنا بتنا نرى عائلات بأكملها، بل مجتمعات كاملة، ونرى نمط حياة طبيعي كامل، وليس كما كان سابقًا عندما كان جزء من العائلة يسافر إلى إحدى دول الخليج العربي للعمل، ف كان ما يُرى منهم مقدار ضئيل للغاية، ولم تكن هناك تجمعات تبيّن نمط الحياة الاجتماعية السورية، وكان الهدف هو تجميع بعض المال للعودة إلى البلد لمتابعة العيش بالحدّ الأدنى للعيش لكن بعد تأمين ثمن المنزل.