“حلب صديق” ولادة المصطلح وتحوّله إلى حقيقة على الأرض
بعد الثورة السورية وفي خضم الحرب الطاحنة لسنوات، ظهرت مصطلحات عديدة أصبحت جزءًا من الخطاب اليومي للمقاتلين والمدنيين على حدٍ سواء، وكان من أبرزها عبارة مثل “حلب صديق” أو “دير الزور صديق” التي تُستخدم للإشارة إلى سيطرة قوات صديقة أو حليفة على مواقع جديدة، ورغم بساطتها، فإن هذا المصطلح يحمل أبعادًا عسكرية وإعلامية وثقافية تختصر الكثير من التعقيدات في المشهد السوري.
نشأة المصطلح
يرجع أصل هذه العبارات إلى القاموس العسكري التقليدي، حيث تعتمد الجيوش والتنظيمات المسلّحة لغةً موجزةً وسريعة للتواصل بين القادة والمقاتلين، أو بين المقاتلين أنفسهم، حيث تشير كلمة “صديق” هنا إلى أن الموقع أو الهدف بات تحت السيطرة الكاملة للقوات الحليفة، ما يوفّر طريقةً مختصرةً للإبلاغ عن النجاحات الميدانية ونقل المعلومات بين الوحدات العسكرية.
وعلى الرغم من انتشار هذه العبارات وشهرتها على ألسنة السوريين إلا أنّها لم تولد تمامًا في سوريا، بل تمتد جذورها بعيدًا، مثلًا في الحروب العالمية استُخدِمت عبارات رمزية مختصرة للإبلاغ عن نجاح العمليات كان أشهرها “حطّ النسر” (The Eagle Has Landed) للإشارة إلى تنفيذ عملية إنزال استراتيجية ناجحة، وقد نالت هذه العبارة شهرة كبيرة لدرجة أنها أصبحت عنوانًا للعديد من الأفلام السينمائية [1].
تطور المصطلح في الثورة السورية
بعد تدخّل الكثير من الأطراف في المعارك على أرض سوريا وتشكّل الكثير من الفصائل وتنوّع الاتجّاهات وتشابك التحالفات، كانت هذه الحال بيئةً مثاليةً لانتشار هذه المصطلحات، وأصبحت عبارات مثل “حلب صديق” جزءًا من الخطاب شبه الرسمي الذي يُبث عبر وسائل الإعلام أو عبر الناشطين الإعلاميين.
عوامل انتشار المصطلح
1. كثافة الإعلام: اتّسمت الثورة السورية بأنها واحدة من أكثر الحروب تغطية إعلامية في العصر الحديث [2]، مع تعدد الأطراف المتصارعة والمصادر الإخبارية سهّلت هذه المصطلحات الموجزة عملية نقل الأخبار بسرعة ووضوح.
2. التأثير النفسي: العبارات الموجزة مثل “صديق” تُستخدم لتعزيز الروح المعنوية للمقاتلين والحاضنة الشعبية الداعمة، ولإظهار النجاحات على الأرض، حتى لو كانت مؤقتة.
3. الطبيعة المتغيّرة للصراع: نظرًا للتغير السريع في تبادل السيطرة على المناطق، كانت هذه المصطلحات تُستخدم للإشارة إلى الانتصارات المؤقتة والتحوّلات السريعة في موازين القوى.
4. السياق الساخر للمصطلح: مع انتشار هذه العبارة، أصبح المدنيون يستخدمونها بشكلٍ ساخر، مثلاً “المطبخ صديق” للتعبير عن إنجاز شخصي بسيط.
أخيرًا
ونحن على أعتاب الإعلان “دمشق صديق” فإنّ عبارة “حلب صديق” لم تكن مجرّد مصطلح استخدم للإعلان عن تحرير حلب وبدء معركة تحرير سوريا الختامية، بل هي شاهد على صراع معقد، ودليل على كيفية تكيّف اللغة مع ظروف الحرب، لتصبح جزءًا من أدوات التواصل والتعبير عن الانتصارات أو الهزائم. وبين الاستخدام العسكري الجاد والاقتباسات الساخرة في الأوساط الشعبية، يبقى هذا المصطلح رمزًا لأهم مرحلة من التاريخ السوري الحديث.
[كُتب هذا المقال عندما كان الثوّار على أبواب حمص]
مصادر
[2] ربما تكون الحرب السورية الأكثر توثيقًا في التاريخ – ومع ذلك لا نعرف عنها سوى القليل