إنجازات العرب تسطع على واتسآب
لو دحضنا الادّعاءات التي تقول إنّ المنصّات الاجتماعيّة وعلى رأسها فيسبوك وواتسآب هي منصّات للهو والتسلية، بالقول إنّ هذه المنصّات باتت تزوّدنا بثقافة ومعارف شتّى وبسهولةٍ ويسرٍ لا مثيل لهما، ومع التأكيد على أنّ الإنسان حكيم نفسه يستطيع انتقاء ما هو صالح ونبذ الطالح.
بين هذا وذاك دأبت مجموعات شتّى تعمل بأهدافٍ متنوّعة، فمنها ما يعمل من أجل المال فقط، ومنها من يريد الشهرة، ومنها ما يندرج ضمن أجندات سياسيّة أو عقائديّة أو ما شابه.
وبالطبع كان هناك من هو مستعدّ للتطوّع بوقته وجهده وربّما ماله لرفع المستوى المعرفي والثقافي للمجتمع وإغناء المحتوى العربي في كافّة المجالات، فبرزت فئة تدقّق وتحلّل وتوعّي الناس، هذه الفئة اكتسبت احتراماً وثقةً كبيرة من الجميع بسبب نُبل غاياتها.
لكنّ جيلاً رضع ثقافة “تجميل الهزائم” أفرز جماعاتٍ ألهمها نجاح الفئة الصالحة المذكورة آنفاً، فقررت ركوب الموجة، فلبسوا لباساً يدغدغ مشاعر العرب العاطفيين التوّاقين للإنجاز، وبما أنّ هذا الإنجاز غير موجودٍ في الحاضر أو المستقبل القريب، فقد لجأوا لاختراع انجازاتٍ لا حصر لها، وحيث إنّ إنجازاتٍ مثل تفجير بارجةٍ فرنسية أثناء حرب 56 في مصر من قِبَل الانتحاري السوري “جول جمّال” والتي انتشرت في ذاك الوقت بفضل إعلام البعث الذي لم يكن له مضادّ شعبي، لم يعد لها تأثير بفضل ثورة الاتّصالات..
فبات اللعب على أمرٍ ما زال العرب ضعفاء فيه وهو التوثيق، كما أنّه ليس من عادة القارئ العربيّ البحث في مصدر المعلومات، وبدأ المدغدغون يؤلّفون الحكايات والتي تختلف في أسماء الشخصيّات فقط من بلدٍ إلى بلد، أمّا الحبكة فكانت موحّدة، ففي كلّ الدول العربيّة تسمع مقولة “المنهاج (السوري) هو الأقوى في العالم” (ضع بين القوسين ما تشاء مصري عراقي مغربي..)، وفي كلّ الدول العربيّة تسمع “الطفل (اللبناني) هو الأذكى في العالم”، و ستسمع أيضاً “الجيش (العراقي) رابع أقوى جيش في العالم”.
إلا أنّ مثل هذه المقولات انحسرت تدريجياً مع ازدياد حركات الترجمة وازدياد التمازج مع الغرب بسبب هجرة العقول بالطبع وليس بسبب بعثات التبادل الثقافي مع الجمهوريّات الاشتراكيّة التي كان يأتينا منها المُبتعَث بعقلٍ أكثر تسطّحاً ممّا ذهب به.
انتقل المدغدغون لمرحلة جديدة من الدغدغة، وهي بأن يستعرض إنجازات الأجداد من طرقات حجرية مرصوفة لمئات الكيلومترات ومدن وقلاع ضخمة شيّدت بأحجار عملاقة، لكن هذه سقطت أيضاً بعد ذكر كلمة رومان وإغريق إلخ.. ممّن مرّ على أرضنا عبر الزمن وخلّد اسمه بمدن كاملة كالإسكندر بإسكندريّاته العديدة.
وصل المدغدغون لمرحلة يائسة وهي إنجازات العرب في النصف الأوّل من القرن الماضي، من إقراض البنك الدولي وإرسال المساعدات الإنسانيّة لأوروبا واستقبال مهاجرين أوروبيين عبر البحر، بحثتُ شخصياً عن كلّ إنجاز من تلك الإنجازات فوجدتُ ما يلي:
-إنّ القاهرة قد حصلت في 1925 على وسام أجمل مدينة في حوض المتوسّط، حيث إنّ إسماعيل باشا طلب قبل خمسين عاماً من نابليون الثالث مساعدة مهندسيه لتجميل القاهرة لتبدو كباريس.
-صدر الدينار العراقي الأوّل في 1932 وكان مرتبطاً بالجنيه الإسترليني ويساوي جنيهاً واحداً.
-بالفعل استقبلت الشواطئ العربيّة مهاجرين قادمين من أوروبا لكنهم كانوا يهوداً آتين لفلسطين.
-أنشئ مطار اللد في فلسطين في 1934 لكنّه كان مطاراً عسكرياً بريطانياً.
-واليمن في 1977 لم تقرض البنك الدولي، بل إنّها طلبت مساعدات ماليّة من الإمارات العربيّة المتّحدة لبناء سدّ مأرب.
هذا نذرُ يسير ممّا يروّج له المدغدغون والذين في معظم دغدغاتهم يريدون مدح زعيم أو ديكتاتور مرّ على هذه الأرض وعاث فيها فساداً وقتل من سكّانها وشرّد وسجن ما لا يمكن إحصاؤه.
وعلى العموم جميع الدول العربيّة في النصف الأوّل من القرن العشرين كانت تحت انتدابات أو وصايات غربيّة، وإنّ كان هناك أيّ إنجاز لأيّة دولة فهو إنجاز يُحسَب للدولة صاحبة الانتداب.
نُشرت هذه التدوينة في هافينغتون بوست بتاريخ 2016/11/04
تعليق واحد