كلّ ما تودّ معرفته عن يوم العزّاب 11/11
إنّ مُجمل ما مرّت به الصين في النصف الثاني من القرن الماضي من سياسة الطفل الواحد للعائلة، والطفرة الاقتصادية الهائلة، تسبّب في ازدياد عدد العازبين بشكل كبير جدّاً؛ حيث يُقدّر عدد العزّاب الصينيّين من الجنسين بمائتي مليون، أكثر من نصفهم بالطبع من الذكور؛ لأنّ كلّ 120 ذكراً يقابلهم 100 أنثى فقط في الصين.
هذا الخلل في التوزيع بين الجنسين إضافةً للغلاء الجنوني في أسعار العقارات ساهما في تفاقم أعداد العزّاب؛ حيث إنّه من الشائع جداً أن تجد شخصاً لديه عمل براتب جيّد وقد تجاوز العمر المناسب للزواج دون أن يتزوّج بسبب صعوبة الحصول على منزل، سواءً بالتملّك أو بالإيجار؛ لأنّ سعر بيت صغير جداً بمساحة مكتب يصل إلى مليوني يوان صيني، أي 300 ألف دولار، أمّا الإيجار فهو يتجاوز الدخل الشهري للموظّف العادي.
علاوةً على ذلك، فإنّ المجتمع الصيني التقليدي كان يضع قيوداً على المرأة تحدّ من انخراطها في العمل أو الجامعة، بحيث وصلت النسبة بين الجنسين في بعض الجامعات لسبعة ذكور مقابل الفتاة الواحدة، ممّا قلّل أيضاً فرصة الحصول على علاقة عابرة، فضلاً عن الزواج.
كلّ ما سبق جعل من العزوبية أمراً شائعاً وباتت مناسبة عيد الحبّ ذكرى مؤلمة لِسُدس سكّان الصين الذي تجاوز المليار وربع المليار نسمة (أي إنّ عدد العازبين المؤهّلين يساوي عدد سكّان فرنسا وألمانيا وبريطانيا معاً)، فنشأت فكرة الاحتفال بالعزوبيّة للترويح عن النفس من جهة، ولخلق فرصة جديدة تجمع العازبين والعازبات علّهم يجدون شريكاً مناسباً يرتبطون به، وقد اختار أوائل المحتفلين بهذه المناسبة يوم 11/11؛ لأنّه أكثر يوم في السنة يحوي الرقم (1) الدالّ على الانفراد؛ حيث إنّ الدلالات العددية من الصفات الشائعة في مجتمعات شرق آسيا، وكان ذلك في عام 1993 في جامعة نانجينغ من إحدى غرف السكن الطلابي التي تحوي أربعة طلاب أيضاً.
يحتفل العازبون في الصباح بتناول أربع لفائف مقليّة من العجين (تشبه الرقم 1) وتسمّى بالصينية “يوتياو” مع قطعة حلوى مطهية على البخار تسمّى بالصينيّة “باوتسي” وهي دائريّة الشكل والتي ستشكل الفاصل بين 11 الأولى و11 الثانية.
لكن هذا الاحتفال البسيط ما لبث أن تحوّل إلى أكبر مناسبة للتسوّق الإلكتروني في العالم على مدار السنة، بحيث تفوّق على الجمعة السوداء، اليوم ذي التخفيضات الضخمة، وكذلك يوم أمازون السنوي للتخفيضات، بل تفوّق عليهما مجتمعين وذلك بفضل استغلال موقع علي بابا، الموقع المعروف للتسوّق الإلكتروني لهذه المناسبة وتسويقها للشباب الصيني على أنّها المناسبة الأهمّ في العام، وقد حصل هذا بالفعل، ويتطلّع موقع علي بابا لجعل هذه المناسبة عالمية، وذلك بتقديم عروض التخفيضات لكافة أنحاء العالم وليس فقط في الصين، إضافةً لجلب الماركات العالمية الشهيرة والتعاقد مع نجوم السينما والغناء، مثلاً هذه السنة سيطلق مالك موقع علي بابا “جاك ما” بوجود النجم “جيت لي” فيلماً جديداً للأخير، ولمَ لا وقد حقّق علي بابا وحده في هذا اليوم بالعام الفائت مبيعاتٍ بحوالي 17 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف الدخل السنوي لقناة السويس!
ليس علي بابا الوحيد الذي ركب هذه الموجة، رغم أنّه الرائد فيها، إلا أنّ هناك حوالي مائة ألف متجر للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت ستكون حاضرةً للمشاركة باحتفالات هذه السنة، إضافة إلى منصات كبيرة مثل: تي مول، وجي دي، ويتوقع وصول عدد العلامات التجارية التي ستستفيد من يوم التسوّق هذا إلى مائتي ألف علامة، ثلثاها علامات صينية.
بقي أنْ نذكر أنّ هذا الحجم من الإنفاق لم يكن ليحدث لولا ازدياد معدل دخل الفرد بفعل النموّ الاقتصادي الكبير الذي حدث في الصين، والذي بدأ بالتباطؤ في السنوات الماضية، وكان لا بدّ من هذه الحركات التسويقيّة العملاقة التي تساهم في إعطاء دفعات للأمام للاقتصاد الصيني؛ لأنّ السوق الداخلية الصينيّة هي أضخم سوق استهلاكيّة، ولا يمكن تجاهلها مهما بلغ حجم الصادرات.
نُشِرت هذه المقالة بتاريخ 12-10-2017 في هافينغتون بوست عربي و كذلك نُشِرت في 12-10-2017 على ساسة بوست