11 مغالطة منطقية يقع فيها مروّجو نظرية المؤامرة
تستولي نظريات المؤامرة على مساحة كبيرة من تفكير العرب، وتتحكم غالباً في طريقة حكمهم وتقييمهم للأحداث المهمة. ولكن معظم نظريات المؤامرة تقوم على عدد من المغالطات المنطقية الشهيرة والمذكورة في كتب المنطق.
بعض مروّي نظريات المؤامرة يعتقد بمسؤولية مؤسسات سرية تتحكم في شؤون العالم عن كل ما يحصل، وبعضها يقيِّم كل ما يحدث لنا باعتباره ناتجاً عن تدبير أصابع خارجية شريرة. ومنها ما يعتقد أن العرب والمسلمين وحدهم هم المستهدفون من المؤامرات، ومنها ما يعمم واقع التآمر على كافة شعوب العالم.
وقد يفيد القاريء الاطلاع على كتب المنطق ليكتشف الأخطاء المنطقية التي تقع فيها نظريات المؤامرة. وإذا كانت هذه الكتب لا تعرض نظريات المؤامرة، فهي تعطينا القواعد المنطقية التي تمكننا من اكتشاف الأفكار الخاطئة.
لا تدّعي هذه المعالجة الإلمام بكل المغالطات الخاصة بنظريات المؤامرة وهي تتناول ما أمكن حصره منها.
1- الاستدلال الدائري الخاطئ
يعتقد البعض بوجود طائفة سرية تضم نخبة من رجال السياسة والاقتصاد والإعلام حول العالم تتحكّم في سير الأحداث العالمية وتوجّه كل ما يحدث لمصالحها دون غيرها. لكن حين تسأل أحدهم عن دليله على وجود مثل هذه الجماعة، يرد عليك “هل أنت غبي، إنها جماعة سرية، ألا تفهم ذلك؟”.
تُسمّى هذه المغالطة المنطقية بـ”الاستدلال الدائري الخاطئ”. يشبه ذلك أن يقسم أحد الطلاب لأستاذه بأنه لم يقترف ذنباً ما، فيقول “لم أقترف هذا الذنب، وزميلي يضمن لك كلامي” لكن ما الذي يضمن للأستاذ صدق كلام زميله؟ قد يرد الطالب بالقول “أنا أضمن لك كلام زميلي”. وبالطبع هذا لا يقدم دليلاً قوياً وكافياً لإقناع الأستاذ.
ولكن من المفترض في علم المنطق أنه حينما نطلق حكماً على أمر ما، فعلينا أن نقدم دليلاً على ذلك أقوى من الحكم نفسه، وإلا لما سميناه دليلاً.
2- الاحتكام إلى الجهل
قد يلجأ بعض أصحاب النظرية السابقة إلى ممارسة لعبة أخرى لطيفة وهي أن يقول “هل لديكم دليل على عدم وجود هذه الطائفة السرية؟”. هذا السؤال يندرج تحت مغالطة منطقية أخرى تعرف بـ”الاحتكام إلى الجهل”.
هذه المغالطة تقوم على أساس أنه طالما ما دمت لا تملك دليلاً على عدم وجود أمر ما، فإن هذا الأمر ينبغي أن يكون موجوداً، وهذا أمر خاطئ. فمن القواعد المتفق عليها أن الشخص المطلوب منه الإتيان بالدليل هو صاحب الادعاء نفسه ولا أحد غيره، أي أنّ “البينة على من ادعى”.
لذلك إذا ذهبت إلى المحكمة لتتهم جارك بأنه حطم سيارتك، فإن القاضي يطالبك أنت أولاً كـ”مدعٍ” بأن تثبت أن جارك قام بهذا الفعل، ولا يعكس الأمور فيطالب جارك بإثبات عدم تورطه.
وأيضاً، غالباً ما يلجأ اصحاب هذه النظرية إلى الدفع بوجود أشخاص استطاعوا الدخول إلى وكر الجماعة السرية المزعومة ثم فضحوا خطتها الشريرة. هنا نجد تناقضاً واضحاً، إذ كيف يستطيع هؤلاء الناس السيطرة على العالم بينما لا يقدرون على السيطرة على أشخاص معدودين يقومون بتسريب خططهم؟
3- المصادرة على المطلوب
هنالك العديد من الأبحاث التي تثبت أن كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” ملفق ولم يكتبه اليهود أصلاً. لكن ما يحدث في بعض الأحيان هو أنه عندما نتحدث إلى أحد مناصري نظرية المؤامرة الماسونية، نجده يطالبنا بالتغاضي عن كون هذا الكتاب ملفقاً، والتركيز على مقارنة الأحداث التي تقع على أرض الواقع بالكلام الذي يرد في الكتاب، ثم يتوصّل إلى أنه ما دامت بعض الأحداث تتفق مع ما ورد فيه فإنه صحيح.
وإذا وافقنا على ذلك، نرتكب خطأ منطقياً هو “المصادرة على المطلوب”. فعدم صحة الكتاب يجب أن ينتج عنه إبطال العمل بمحتواه تماماً لتفسير الأحداث والبحث عن أسباب أخرى أكثر واقعية.
ويصف أرسطو “المصادرة على الطلوب” بأنها مغالطة تحدث عندما يطلب أحد الأطراف من الطرف الآخر التصديق على وجهة نظر معيّنة واعتبارها صحيحة قبل أن يثبت هو صحة هذا الرأي. وكل النتائج المترتبة على هذا التصديق تكون مغلوطة لأنها قامت على أساس خاطئ من البداية.
4- السبب الزائف
يدفع بعض أصحاب نظرية المؤامرة الغربية بفكرة أنه عقب حدوث العمليات الإرهابية الكبرى، استفادت أميركا سياسياً واقتصادياً من هذا الأمر بدخول العراق وخلافه، ثم يقولون إنه بما أنها استفادت بعد حدوث ذلك مباشرة فإنها هي التي قامت بصناعة الجماعات الإرهابية.
يقع هؤلاء في مغالطة منطقية تعرف بالسبب الزائف. فبطبيعة الحال كل شيء يحدث له سبب، ولا بد أن الأسباب تسبق النتائج في الحدوث. لكن ليس ضرورياً أن يكون حدوث أمر ما قبل أمر آخر معناه أن الحدث الأول هو السبب وراء الحدث الثاني، فقد يكون سبباً وقد يكون مجرد صدفة. فالديك يصيح قبل الفجر مباشرة لكنه ليس السبب في شروق الشمس.
وفي حالة أميركا والعمليات الإرهابية نخطئ لأننا نهمل احتمالية أن يكون هناك سبب مشترك أدى إلى حدوث هذه الأمور. فالإرهاب موجود وله جذوره المتشعبة في الشرق الأوسط، ووجود هذه الجماعات هو الذي أدى إلى حدوث العمليات الإرهابية الكبرى من جهة، ثم أدى ذلك إلى استغلال أميركا لهذه الأحداث لتخدم مصالحها السياسية والاقتصادية.
كذلك، يستفيد مصنعو الأسلحة حول العالم ومعظمهم من الدول الكبرى من الحروب التي تنشب في دول العالم الثالث. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون مصنعو الأسلحة ومن وراءهم الدول الكبرى هم السبب فى نشوب هذه الحروب.
وقد تدفع المصالح المالية للدول الكبرى بها إلى عدم القيام بمحاولات جادة لحل النزاعات التي تنشب أو حتى محاولة إفشال الحلول، لكنه لا يعني باليقين الجازم تورطها في إذكاء الحروب منذ البداية.
5- التعميم المتسرع
هنالك بعض الأحداث التي تواطأ فيها الغرب على دول العالم الثالث بما فيها الدول العرب، على سبيل المثال تآمُر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عقب حادثة تأميم قناة السويس. إلا أن سحب ذلك على كل ما يحدث لنا من مشاكل وتعميمه خاطئ، فهذا يسمى بالتعميم المتسرع. فالتآمر بعد حادثة السويس لا يعني بشكل قاطع أنهم تآمروا أيضاً لاغتيال السادات، ولا يعني أيضاً أن الربيع العربي هو نتيجة مؤامرة غربية…
6- سرير بروكرست
تشيع بعض الكتابات عن المؤامرة بعد أحداث مهمة كما حصل بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء. سمعنا عن جواسيس أجانب يتجولون في شوارع مصر ويجلسون في المقاهي ويحرّضون الناس على الثورة، وسمعنا عن مبيدات مسرطنة تُباع للمزارعين بتدبير من الصهاينة.
عندما نلوي عنق بعض الأحداث لنجعلها تصدِّق على النظرية نفسها التي نؤمن بها مسبقاً، فإن هذا الأمر يسمى مغالطة “سرير بروكرست”. لا أحد يستطيع أن ينفي وجود بعض المؤامرات، لكن قبل أن أقول “مؤامرة” عليَّ أن أتوصل إلى عدد من الدلائل المادية الملموسة على وجودها لا الاحتكام إلى مجرد تكهنات، أو ليَّ عنق الأحداث لتتوافق مع وجهة نظري.
ويشبه هذا الأمر أن يقوم أحد عبدة الأوثان بدعوة إلهه إلى الانتقام من جاره، فيحدث بمحض الصدفة بعد شهر أن يتعرض جاره لحادثة تودي بحياته، فيزعم صاحبنا بأن ما حدث يثبت صحة معتقده، وهو هنا يلوي ذراع الحدث ليتفق مع نظريته التي يؤمن بها مسبقاً.
7- الاحتكام إلى النتائج
يقول أفلاطون في إحدى محاوراته: “لا شك في أن اللعب على عواطف الجمهور ورغباتهم لأشد إقناعاً من الاحتكام إلى العقل”، وهو يقصد أن الناس يميلون دائماً إلى الاعتقاد بالآراء التي تتناسب مع رغباتهم وتحققها، بصرف النظر عما إذا كانت متوافقة مع المنطق والعقل أم لا.
هكذا، يعتقد البعض بنظريات المؤامرة فقط لأن ذلك يشعرهم بالراحة النفسية واللامبالاة تجاه مشاكلهم. فعندما أقنعك أن العالم كله يتآمر ضدك ويسيطر على كل ما يحيط بك، فهذا يعني أن تعلق كل مشاكلك على شماعة الآخر وتكف عن اللوم على نفسك.
ويعرف هذا الأمر بمغالطة الاحتكام إلى النتائج، ومن الممكن وضعها بالإضافة إلى المغالطات الأربع القادمة في إطار اللعب على عواطف الناس، سواء كان هذا الأمر مقصوداً أو مجرد غفلة.
8- مناشدة الشفقة
الشفقة شعور طبيعي لدى البشر، وضروري أيضاً لأنه يساعدنا على أن نتآزر ويساعد بعضنا بعضاً في الأزمات. ولكن الشفقة لا تبرّر الأمر الخاطئ أو الحجة الضعيفة.
حينما يقول أحد السياسيين عقب حادث إرهابي “انظرو إلى كل هؤلاء الضحايا، إن الغرب هو الذي صنع هذه الجماعات الإرهابية وتسبب في كل هذه الدماء”، قد يكون الغرب متورطاً أو لا يكون، ويقتضي الأمر من هذا السياسي مثلاً أن يقدم الحجة على صدق كلامه. لكن ما يحدث هو أن ميل بعض الناس للتصديق لمجرد أنهم أحسوا بالشفقة تجاه هؤلاء الضحايا أو غيرهم سيجعلهم يسرعون إلى تصديق هذا الكلام دون أن يطلبوا إقامة الدليل عليه.
9- المظهر فوق الجوهر
معظم الناس يميلون إلى التسليم برأي ما فقط لأن صاحب هذا الرأي خطيب مفوه أو متحدث بارع ويستطيع أن يلقي على كلامه مظهراً زائفاً من الصدق عن طريق البلاغة والزخارف اللفظية. والأمثلة على ذلك كثيرة في كتابات المساندين لنظريات المؤامرة. إلا أن بلاغة الخطاب ومظهره البراق شيء وصدق الدليل واتفاقه مع العقل شيء مختلف تماماً.
10- الاحتكام إلى عامة الناس
يدفع بعض المؤمنين بنظريات المؤامرة إلى أن الدليل على صدق كلامهم هو أن معظم الناس يؤمنون بهذا الرأي، على اعتبار أنه كلما زاد عدد المعتقدين في فكرة ما، زاد الدليل على صدق هذه الفكرة.
إلا أن علم المنطق لا يحتكم إلى عدد الناس في تقييمه لأي رأي، فالكثرة لا تعني سوى الكثرة وليس لها علاقة بصدق الاعتقاد أو زيفه. ففي الوقت الذي كان فيه معظم الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة والشمس تدور حول الأرض، كان غاليليو غاليلي هو الشخص الوحيد في العالم كله الذي يعتقد بعكس هذا الكلام، وكان غاليلي مصيباً وبقية البشر على خطأ.
11- ذنب بالتداعي
حين أقول إن أميركا أو إسرائيل عدوتنا اللدودة التي فعلت بنا الأفاعيل دبرت لهذه المأساة أو تلك، ثم أصمت دون أن أقيم الدليل فنحن بصدد مغالطة “ذنب بالتداعي”.
ولكن كراهيتنا لسياسات بعض الحكومات لا تعتبر حجة على أمر ما. ويقع البعض في خطأ “الذنب بالتداعي” حينما يعتقد أن كل فعل يأتي به الطرف الآخر “المكروه” لا بد أن يكون شريراً، ويستغلّ المساندون لنظريات المؤامرة مشاعر الكراهية هذه لتمرير اعتقادات لا يقيمون عليها دليلاً في الغالب