تمتلك الدول العربية برامج فضائية: على الأرض بحاجة للترقية
مترجم للدكتور نضال قسوم من جريدة عرب نيوز
تستثمر المزيد من البلدان في علوم الفضاء بفروعها المتعدّدة، بما في ذلك التكنولوجيا مثل الأقمار الصناعيّة والاستكشافات التي تنطوي على رحلات إلى القمر والمريخ.
في الأسبوع الماضي ، شاركتُ في مؤتمر COSPAR 2018، وهو تجمّع دولي يجري كلّ كلّ سنتين للعلماء والمشتغلين بالفضاء، والذي عُقد هذا العام في باسادينا بكاليفورنيا. والمعروف أصلًا باسم لجنة أبحاث الفضاء وكانت قد أنشئت منذ 60 عامًا لتعزيز التعاون الدولي في الاستكشافات السلمية والمفيدة للفضاء. وعادة ما يحضر مؤتمراتها ما يصل إلى 3000 شخص مشتغل بالفضاء، مع أنّ الحضور هذا العام كان أقلّ بكثير، ربّما بسبب ارتفاع تكاليف السفر إلى كاليفورنيا.
كان الحضور العربيّ في مؤتمر هذا العام أقلّ بكثير ممّا كنتُ أتوقّع. لم أعدّ سوى بضعة عشرات من العروض والملصقات من العالم العربي (من بين المئات)؛ في الواقع يمكن عدّ الدول العربية المشاركة على أصابع اليدّ الواحدة. وكانت للإمارات العربيّة المتّحدة، حتى الآن أكبر حصّة من المساهمات العربيّة.
وهذا أمرٌ مثيرٌ للدهشة ومؤسف أيضًا، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هناك أكثر من عشر دول عربيّة تمتلك برامج فضائية نشطة وفي بعض الحالات مزدهرة للغاية وطموحة. فعلى سبيل المثال تّم إطلاق ثلاثة عشر قمرًا صناعيًا حتّى الآن في المملكة العربية السعودية، وساهمت المملكة مؤخّرًا في إطلاق قمر صناعي لتعزيز الاتّصالات على القمر وقد تمّ إطلاقه لدعم المهمّة الصينية القادمة التي تهدف لإيصال مركبة روبوتية على الجانب البعيد من القمر. يوجد في الإمارات العربيّة المتّحدة العديد من الأقمار الصناعيّة قيد التشغيل: سلسلة دبيسات و ياه سات والتي سيتمّ قريبًا تعزيزها بقمر خليفة سات. وستُطلق “مهمّة أمل” إلى المريخ بعد عامين من الآن، وستقوم بإرسال رائد فضاء إماراتي إلى الفضاء في المستقبل القريب. كما أنّ هناك دول عربية أخرى، خاصّة مصر والجزائر والمغرب، لديها أقمار صناعية عاملة وبرامج فضائية نشطة.
لذا من المهم أن تشارك جميع المؤسسات الفضائية العربية في الاجتماعات الدولية للاستفادة من تجارب الدول الأخرى، ولتتجنّب الازدواجية في العمل المبذول، ولكي يتعلّم أعضاؤها (ولا سيما الشباب المتالّق) من مئات المشاركين والمحاضرات. في الوقت نفسه من المفيد الإعلان عن كل الجهود التي تُبذل في العالم العربي. في الواقع، عرفتُ الكثير عن البرنامج السعودي عبر الكتيبات التي وزّعها المشاركون السعوديون في هذا المؤتمر.
من خلال العروض والتقارير والمناقشات جمعتُ رؤىً مثيرة للاهتمام في كل من الأبحاث الفضائية الحاليّة والسياسات والأهداف التي يجري السعي وراءها.
ومن المسائل الأساسية في هذا المجال التوتر الذي كثيراً ما يُثار بين الجوانب التكنولوجية للأبحاث الفضائيّة والجوانب الأكثر استكشافية وعمقًا في علوم الفضاء. حيث يميل المسؤولون إلى تفضيل الخيار الأول، في حين يميل العلماء إلى الدفع بقوّة للجانب الثاني. في لعبة “شدّ الحبل” هذه، غالباً ما يحدث تشويش على أولويّات البرامج الفضائيّة، وتتضّخم الميزانيات وتصبح إدارة البرامج غير فعّالة.
وفي اجتماعات لجنة أبحاث الفضاء، شدّد المسؤولون من الصين وأوروبا والولايات المتحدة على أهمّيّة إعطاء الأولويّة للأهداف العلميّة والتكنولوجيّة في أيّ برنامجٍ فضائيٍّ، وليس للأهداف السياسيّة. عندما يقترح العلماء ويطوّرون المشاريع والمهمّات سيكون العائد من الاستثمار أعلى.
وبالتالي ينبغي على العلماء أن يناقشوا ويراجعوا ويقترحوا بشكلٍ جماعيٍّ المشاريع والأهداف العلميّة للحكومات ووكالات التمويل. من ناحيةٍ أخرى، لا ينبغي للعلماء تولّي إدارة أيّ مشروع، بغض النظر عن مدى تقدمه التقني أو تعقيده. يجب تحديد رؤى وتوجّهات استراتيجية من قبل المسؤولين. هذا النهج متعدّد المستويات يضمن أقصى قدرٍ من القوّة والكفاءة للمشاريع العلمية ويقلّل من تضارب المصالح والعوامل الذاتيّة أو السياسيّة.
لقد أصبح علم الفضاء من الأنشطة الأساسية للبلدان التي تسعى لتطوير كلّ من بنيتها التحتيّة ومواردها البشرية. إن مشاركة الآلاف من الناس من مختلف المجالات، والملايين إن لم يكن مليارات الدولارات على مدى سنوات أو عقود، يحتّم أن تُدار هذه المنظومة برؤية وتخطيط دقيقين.