إحصاءترجمات

السوريون لا يزالون متفائلين على نحو مفاجئ (مترجم)

استطلاعنا الرائد يكشف عن كثير من التفاؤل، لكنه يسلط الضوء أيضًا على انقسامات طائفية كبيرة

عند تقديمه لحكومته الجديدة في 29 آذار/مارس، وصف أحمد الشرع، الرئيس المؤقت لسوريا، ذلك بأنه “إعلان عن إرادتنا المشتركة لبناء دولة جديدة”. وبالفعل، بدا الأمر كذلك. فالحكومة التي جاء بها الشرع إلى دمشق في كانون الأول/ديسمبر بعد أن أسقط بشار الأسد، كانت تضم مجموعة من الإسلاميين السنّة والجهّاديين السابقين، جميعهم من الذكور. أما الحكومة الجديدة، فلا تزال تضمّ موالين من أيام الحرب في المناصب العليا، ولكن استُبدل بعضهم بالتكنوقراط، كما تضم وزيرًا واحدًا من كل أقلية من أقليات سوريا: علوي (الطائفة التي ينتمي إليها الأسد المخلوع)، مسيحي، درزي وكردي. الوزيرة الوحيدة في الحكومة لا ترتدي الحجاب.

الأشهر القادمة ستُظهر ما إذا كانت خطة الشرع لسوريا تعكس بالفعل هذا التعدد كما توحي تشكيلة الحكومة. فالأقليات غير السنية وغير العربية، بشكل خاص، لا تزال قلقة من ماضيه الجهادي ونزعته المركزية في الحكم. ففي الشهر الماضي، قُتل المئات، وربما أكثر، في أعمال عنف طائفية على الساحل. أما الأكراد الذين يسيطرون على شمال شرق سوريا فلا يعترفون بالحكومة الجديدة. ومع ذلك، فإن نتائج استطلاع نادر للرأي العام أُجري لصالح مجلة “الإيكونوميست” في آذار/مارس تشير إلى وجود تفاؤل واسع النطاق بشأن قدرة الشرع على إعادة بناء سوريا.

الاستطلاع، الذي شمل 1500 سوري من جميع المحافظات والفئات الطائفية، أظهر أن 81٪ يؤيدون حكم الشرع، وفقط 22٪ يرون أن ماضيه كزعيم في تنظيم القاعدة يجب أن يمنعه من تولي القيادة. 

أعداد كبيرة من المشاركين قالوا إن النظام الجديد يشعرهم بمزيد من الأمان والحرية وأقلّ طائفية مقارنة بنظام الأسد.

حوالي 70٪ متفائلون بشأن الاتجاه العام للبلاد، وأكثر المحافظات سعادةً كانت إدلب، المعقل السابق للشرع، حيث عبّر 99 من أصل 100 مستبين عن تفاؤلهم. 

أما أكثر المناطق كآبة فهي العاصمة دمشق، وطرطوس – وهي محافظة مختلطة طائفيًا شهدت مقتل أعداد كبيرة من العلويين على يد الجهاديين الشهر الماضي، مع ذلك عبّر 49٪ عن تفاؤلهم، بينما عبّر 23٪ عن تشاؤمهم.

أن يُجرى الاستطلاع ويخرج للنور أصلًا هو أمرٌ مبشّر في منطقة يمنع فيها الطغاة العرب عادةً استطلاعات الرأي المستقلّة، ومع ذلك، لم تكن الظروف مثالية. فقد أجرى الباحثون الاستطلاع في أماكن عامة، بسبب صعوبة استخدام أساليب مثل الاتصال العشوائي للحصول على عينة تمثيلية، ورغم أنّ الاستطلاع لم يستهدف التوازن الديني أو الإثني، إلا أنّ الإجابات انقسمت بوضوح على أسس دينية وإثنية، مما يدعم مصداقية النتائج.

ولموازنة بعض التحيزات، أعادت “الإيكونوميست” وزن العينة حسب المنطقة الجغرافية والفئة العمرية والانتماء الكردي أو العلوي، استنادًا إلى أفضل البيانات المتاحة حول نسبة هذه الفئات في السكان. وقد كان تأثير التعديلات على النتائج طفيفًا.

مع ذلك من الصعب تقدير أثر الخوف الكامن لدى المشاركين من التعبير عن آرائهم السياسية بعد عقود من القمع. يقول محمّد شيخ أيوب، مدير مؤسسة Middle East Consulting Solutions، التي أجرت الاستطلاع: “في سوريا، لدينا تقليد عريق في التبعية للسلطة”.

بالرغم من ذلك، عبّر المشاركون عن كثير من الانتقادات للشرع، خاصة في الجانب الاقتصادي. حوالي 60٪ يرون أن الأوضاع الاقتصادية لم تتحسن أو تدهورت في عهده. قراراته بإعادة تقييم الرسوم الجمركية والسماح بتداول الدولار بحرية لاقت دعمًا، لكن أغلب رواتب الموظفين الحكوميين لم تُصرف منذ توليه الحكم.

كما يعارض معظم السوريين بشدّة سياسة الشرع المتمثلة في دمج المقاتلين الأجانب في جيشه الجديد، حيث قال 60٪ إنه يجب ترحيلهم بدلًا من ذلك. 

ولا يوجد توافق واسع على كيفية محاسبة مجرمي النظام السابق. يقول أيوب: “على الإدارة المؤقتة أن تعتبر هذا التفاؤل مستعارًا لا مكتسبًا”، مضيفًا: “لمنع تلاشيه، يجب إحراز تقدم حقيقي في الاقتصاد، والحوار الوطني، والعدالة الانتقالية”.

ليس من المفاجئ، في بلد خرج من عقود من حكم أقلية استبدادي، أن يكشف الاستطلاع عن فجوة عميقة بين الأغلبية السنية وأقليات سوريا، وخاصة العلويين، الذين كان كثير منهم مواليًا للأسد. 

فقط 6٪ من السنّة متشائمون، مقابل 40٪ من العلويين. أما المجتمعات الكردية والدرزية والمسيحية، أفصحت عن شعور بالفقر، وقلة الحرّية، وانعدام الأمان مقارنةً بالعرب السنّة.

من أبرز نقاط الخلاف، النظام القانوني، وهو مؤشر مهم لمستقبل البلاد. أكثر من 90٪ من السنّة يؤيّدون استعادة الشريعة الإسلامية بشكل كلي أو جزئي، وهي التي لم تطبّق بالكامل في سوريا منذ أكثر من قرن، بينما 7٪ فقط يريدون نظامًا قانونيًا علمانيًا بالكامل، أمّا بين الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين، فالعكس صحيح: حوالي 86٪ من الدروز والمسيحيين، و73٪ من الأكراد يفضّلون النظام العلماني. 

وكان الدعم لتطبيق الشريعة الكاملة أقلّ بين النساء (29٪) مقارنة بالرجال (40٪)، وأكثر من ثلاثة أرباع المشاركين يؤيدون المساواة الكاملة في الحقوق للنساء.

رغم التباينات الإقليمية في السياسة الخارجية، وخاصة في ما يخص الحلفاء المستقبليين، يتّفق السوريون على كيفية التعامل مع إسرائيل، فمنذ سقوط الأسد، استولت إسرائيل على مئات الكيلومترات من الأراضي السورية، إضافة إلى ما كانت تحتله في الجولان، ودمّرت الترسانة العسكرية السورية. ومع ذلك، لا يبدو أن السوريين راغبون في القتال. ثلثا المشاركين يفضّلون الأدوات الدبلوماسية لمواجهة إسرائيل، بينما 10٪ فقط يدعمون الكفاح المسلح.

في المحصلة، ورغم الانقسامات الطائفية، فإن السوريين متفائلون على نحوٍ مفاجئ. باستثناء العلويين، الذين يريد ثلاثة أرباعهم انتخابات خلال عام، لا يبدو أنّ معظم السوريين في عجلةٍ لاستبدال الشرع. إنّهم يمنحون زعيمهم الجديد فرصة… والأمر يعود إليه في كيفية استغلالها بحكمة.

المصدر مجلة الإكونومست

ترجمة مدونة ملحوظة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى